عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بَايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع والطَّاعَة في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَطِ والمَكْرَه، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَينا، وعلى أَن لاَ نُنَازِعَ الأَمْر أَهْلَه إِلاَّ أَن تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِندَكُم مِن الله تَعَالى فِيه بُرهَان، وعلى أن نقول بالحقِّ أينَما كُنَّا، لا نخافُ فِي الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
[صحيح]
-
[متفق عليه]
(بايعنا) أي بايع الصحابة رضي الله عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة؛ لأن الله تعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وبعده صلى الله عليه وسلم أولو الأمر طائفتان: العلماء والأمراء، لكن العلماء أولياء أمر في العلم والبيان، وأما الأمراء فهم أولياء أمر في التنفيذ والسلطان. يقول: بايعناه على السمع والطاعة، وقوله: "في العسر واليسر" يعني سواء كانت الرعية معسرة في المال أو كانت موسرة، يجب على جميع الرعية أغنياء كانوا أوفقراء أن يطيعوا ولاة أمورهم ويسمعوا لهم في المنشط والمكره، يعني سواء كانت الرعية كارهين لذلك لكونهم أمروا بما لا تهواه ولا تريده أنفسهم أو كانوا نشيطين في ذلك؛ لكونهم أُمِروا بما يلائمهم ويوافقهم. "وأثرة علينا" أثرة يعني استئثارًا علينا، يعني لو كان ولاة الأمر يستأثرون على الرعية بالمال العام أو غيره، مما يرفهون به أنفسهم ويحرمون من ولاهم الله عليهم، فإنه يجب السمع والطاعة. ثم قال: "وألا ننازع الأمر أهله" يعني لا ننازع ولاة الأمور ما ولاهم الله علينا، لنأخذ الإمرة منهم، فإن هذه المنازعة توجب شرًّا كثيرًا، وفِتَنًا عظيمةً وتفرقًا بين المسلمين، ولم يدمر الأمة الإسلامية إلا منازعة الأمر أهله، من عهد عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا. قال: " إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان" هذه أربعة شروط، فإذا رأينا هذا وتمت الشروط الأربعة فحينئذ ننازع الأمر أهله، ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر، والشروط هي: الأول: أن تروا، فلابد من علم، أما مجرد الظن، فلا يجوز الخروج على الأئمة. الثاني: أن نعلم كفرًا لا فسقًا، الفسوق، مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم؛ لو شربوا الخمر، لو زنوا، لو ظلموا الناس، لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفرًا صريحًا يكون بواحًا. الثالث: الكفر البواح: وهذا معناه الكفر الصريح، البواح الشيء البين الظاهر، فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم به، يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئا نرى أنه كفر، لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر، فإنه لا يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم، ونولهم ما تولوا، لكن إذا كان بواحا صريحا، مثل: لو اعتقد إباحة الزنا وشرب الخمر. الشرط الرابع: "عندكم فيه من الله برهان"، يعني عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر، فإن كان الدليل ضعيفًا في ثبوته، أو ضعيفًا في دلالته، فإنه لا يجوز الخروج عليهم؛ لأن الخروج فيه شر كثير جدا ومفاسد عظيمة. وإذا رأينا هذا مثلا فلا تجوز المنازعة حتى يكون لدينا قدرة على إزاحته، فإن لم يكن لدى الرعية قدرة فلا تجوز المنازعة؛ لأنه ربما إذا نازعته الرعية وليس عندها قدرة يقضي على البقية الصالحة، وتتم سيطرته. فهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب -وجوب الخروج على ولي الأمر- لكن بشرط أن تكون القدرة موجودة، فإن لم تكن القدرة موجودة، فلا يجوز الخروج؛ لأن هذا من إلقاء النفس في التهلكة؛ لأنه لا فائدة في الخروج.