أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ - أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».
[صحيح]
-
[متفق عليه]
جلس النبي صلى الله عليه ذات يوم على المنبر يحدث أصحابه فقال:
إن أكثر ما أخاف وأخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض وزهرة الدنيا وزينتها وبهجتها وما فيها من أنواع المتاع والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء.
فقال رجل: زهرة الدنيا نعمة من الله، فهل تعود هذه النعمة وتصير نقمة وعقوبة؟!
فلام الناس السائل حيث رأوه صلى الله عليه وسلم سكت، وظنوا أنه أغضبه.
فتبين أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي، ثم جعل يمسح عن جبينه العَرق، فقال: أين السائل؟
قال: أنا.
فحمده وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: الخير الحقيقي لا يأتي إلا بخير، ولكن هذه الزهرة ليست بخير محض لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال على الآخرة،
ثم ضرب لذلك مثلا فقال: أن نبات الربيع وخَضِره؛ وهو نوع من الزرع يعجب الماشية فيقتل لكثرة الأكل بالتخمة أو يقارب القتل، إلا آكلة الخَضِر أكلت حتى امتلأ جانبا بطنها، فاستقبلت الشمس وألقت الرجيع من بطنها رقيقًا أو بالت، ثم استرفعت ما في كرشها فمضغته ثم بلعته، ثم عادت فأكلت.
فإن هذا المال كالبقلة الخضراء الحلوة، يقتل أو يكاد يقتل بكثرته؛ إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية من طريق حلال فإنه لا يضر، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، ومن يأخذه بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذه بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة.