عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العَجْزِ وَالكَسَلِ، والبُخْلِ والهَرَمِ، وَعَذابِ القَبْرِ، اللهم آت نفسي تقواها، وزَكِّهَا أنت خير من زكاها، أنت وَلِيُّهَا ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع؛ ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع؛ ومن دعوة لا يُستجاب لها».
[صحيح] - [رواه مسلم]

الشرح

الاستعاذة من العبادات القلبية ولا تصرف إلا لله تعالى، والعجز والكسل قرينان وشقيقان يقطعان سبل الخير الموصلة للدنيا والآخرة، فهما يمثلان العجز والفتور والتهاون، فإن كان المانع من صنع العبد فهذا هو الكسل . وإذا كان المانع عن الفعل بغير كسب العبد ولعدم قدرته فهو العجز. "والبخل": هو إمساك المال والشح به عن سبل الخير وطرق النفع، فتميل النفس لحب المال وجمعه، واكتنازه وعدم إنفاقه في الوجوه التي أمر الله بها. "والهرم": المقصود به أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر، ويبلغ من العمر عتيا بحيث تضعف قوته ، ويذهب عقله ، وتتساقط همته ، فلا يستطيع تحصيل خير الدنيا ولا خير الآخرة، قال تعالى: "ومن نعمره ننكسه في الخلق". " وعذاب القبر" : وعذاب القبر حق ، وعلى ذلك إجماع أهل السنة والجماعة ، قال تعالى: " ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون" ، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ولذا سن للعبد أن يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة ، ولهول هذا العذاب وعظمته كذلك. " اللهم آت نفسي تقواها: أي: أعط نفسي امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وقيل: تفسر التقوى هنا بما يقابل الفجور كما قال تعالى: " فألهمها فجورها وتقواها". " وزكها" : أي طهرها من الرذائل . " أنت خير من زكاها" : أي لا مزكي لها غيرك ، ولا يستطيع تزكيتها أحد إلا أنت يا ربنا. " أنت وليها": ناصرها والقائم بها. " ومولاها": أي: مالكها والمنعم عليها. " اللهم إني أعوذ بك ": أحتمي واستجير بك . " من علم لا ينفع": وهو العلم لا الذي لا فائدة فيه ، أو العلم الذي لا يعمل به العبد فيكون حجة عليه يوم القيامه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والقرآن حجة لك أو عليك" والعلم الذي لا ينفع هو الذي لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسرى منها إلى الأفعال الظاهرة ويحوز بها الثواب الأكمل. " قلب لا يخشع": أي عند ذكر الله تعالى وسماع كلامه ، وهو القلب القاسي ، يطلب منه أن يكون خاشعا لبارئه منشرحا لمراده ، صدره متأهلا لقذف النور فيه ،فإذا لم يكن كذلك كان قاسيا ، فيجب أن يستعاذ منه ، قال تعالى:" فويل للقاسية قلوبهم" " ونفس لا تشبع": أي للحرص على الدنيا الفانية، والطمع والشره وتعلق النفس بالآمال البعيدة . " ومن دعوة لا يستجاب لها" :أي أعوذ بالله من أسباب ومقتضيات رد الدعوة ، وعدم إجابتها من الطرد والمقت ، لأن رد الدعاء علامة على رد الداعي ، بخلاف دعوة المؤمن فلا ترد إما أن تستجاب في الدنيا ، أو يدفع الله عنه من البلاء بمثلها ، أو تدخر له في الآخرة ، فدعوة المؤمن لا تضيع أبدًا بخلاف دعوة الكافر ، يقول تعالى: " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال"

الترجمة: الإنجليزية الأوردية الإسبانية الإندونيسية البنغالية الفرنسية التركية الروسية البوسنية السنهالية الهندية الصينية الفارسية تجالوج الكردية
عرض الترجمات

معاني الكلمات

الهرم:
الكبر والضعف، والمراد به: صيرورة الرجل خَرِفا من كبر سن بحيث لا يميز بين الأمور المعتدلة المحسوسة والمعقولة.
زكها:
طهرها من الرذائل.
أنت خير من زكاها:
لفظة " خير" ليست للتفضيل ، بل المعنى: لا مزكي لها إلا أنت
وليها:
ناصرها والقائم بها.
مولاها:
أي: ربها ومالكها وناصرها والمنعم عليها.
من علم لا ينفع:
أي: علم لا نفع فيه ، وقيل هو: الذي لا يعمل به.
لا يخشع:
لا يخضع لجلال الله تعالى ، وهو القلب القاسي.
لا تشبع:
أي للحرص الباعث لها على ذلك ، ومعناه النهم وعدم الشبع.

من فوائد الحديث

  1. استحباب الاستعاذة من هذه الأمور المذكورة في الحديث.
  2. الحث على التقوى ونشر العلم والعمل به.
  3. على المؤمن أن يلتزم التقوى، وينهض بالطاعة وأداء الواجب ويجعل من نفسه ما تصفو بالخير ، ويعتمد على الله في نصره وتوفيقه في العمل
  4. العلم النافع هو الذي يزكي النفس ويولد فيها خشية الرب -تبارك وتعالى-، فتسري منها إلى سائر الجوارح .
  5. القلب الخاشع هو الذي يخاف ويضطرب عند ذكر الله ثم يلين ويطمئن ويركن إلى حمى مولاه ، فمن كان كذلك كان قلبه محلاً لنور الله الذي يجعله الله في قلب عبده فرقاناً بين الحق والباطل.
  6. ذم الحرص على الدنيا وعدم الشبع من شهواتها وملاذها، ولذلك فالنفس المنهومة الحريصة على متاع الدنيا أعدى أعداء المرء، ولذلك استعاذ منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
  7. ينبغي على العبد أن يفارق أسباب رد الدعاء وعدم إجابته.
المراجع
  1. بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين لسليم الهلالي، ط1، دار ابن الجوزي، الدمام، 1415ه.
  2. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد علي بن محمد بن علان، ط4، اعتنى بها: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، 1425 ه.
  3. رياض الصالحين للنووي، ط1، تحقيق: ماهر ياسين الفحل، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، 1428 هـ.
  4. رياض الصالحين، ط4، تحقيق: عصام هادي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، دار الريان، بيروت، 1428هـ.
  5. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  6. كنوز رياض الصالحين، مجموعة من الباحثين برئاسة حمد بن ناصر العمار، ط1، كنوز إشبيليا، الرياض، 1430هـ.
  7. نزهة المتقين شرح رياض الصالحين لمجموعة من الباحثين، ط14، مؤسسة الرسالة، 1407هـ.