عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَنْ أحقُّ الناس بِحُسن صَحَابَتِي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَنْ ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أبوك». متفق عليه. وفي رواية: يا رسول الله، مَنْ أحقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قال: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدْنَاك أدْنَاك».
[صحيح]
-
[الرواية الأولى: متفق عليها.
الرواية الثانية: رواها مسلم]
هذا الحديث يدل على أن لكل من الأبوين حقًا في المصاحبة الحسنة؛ والعناية التامة بشؤونه (وصاحبهما في الدنيا معروفًا )، ولكن حق الأم فوق حق الأب بدرجات، إذ لم يذكر حقه إلا بعد أن أكد حق الأم تمام التأكيد، بذكرها ثلاث مرات، وإنما علت منزلتها منزلته مع أنهما شريكان في تربية الولد هذا بماله ورعايته؛ وهذه بخدمته في طعامه وشرابه، ولباسه وفراشه و ... إلخ. لأن الأم عانت في سبيله ما لم يعانه الأب، فحملته تسعة أشهر وهنًا على وهنٍ، وضعفًا إلى ضعف؛ ووضعته كرهًا؛ يكاد يخطفها الموت من هول ما تقاسي، وكذلك أرضعته سنتين، ساهرة على راحته، عاملة لمصلحته وإن برحت بها في سبيل ذلك الآلام وبذلك نطق الوحي: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)، فتراه وصى الإنسان بالإحسان إلى والديه؛ ولم يذكر من الأسباب إلا ما تعانيه الأم إشارة إلى عظم حقها. ومن حسن المصاحبة للأبوين الإنفاق عليهما طعامًا وشراباً، ومسكناً ولباسًا؛ وما إلى ذلك من حاجات المعيشة، إن كانا محتاجين، بل إن كانا في عيشة دنيا أو وسطى؛ وكنت في عيشة ناعمة راضية فارفعهما إلى درجتك أو زد، فإن ذلك من الإحسان في الصحبة. واذكر ما صنع يوسف مع أبويه وقد أوتي الملك إذ رفعهما على العرش بعد أن جاء بهما من البدو. ومن حسن الصحبة بل جماع أمورها ما ذكره الله بقوله: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) فامنع عنهما لسان البذاءة، وجنبهما أنواع الأذى. وأَلن لهما قولك؛ واخفض لهما جناحك؛ وذلل لطاعتهما نفسك، ورطب لسانك بالدعاء لهما من خالص قلبك وقرارة نفسك وقل: (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، ولا تنس زيادة العناية بالأم، عملا بإشارة الوحي؛ ومسايرة لمنطق الحديث.