عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «خَلَقَ اللهُ الخلقَ، فلمَّا فرغَ منه، قامت الرَّحِمُ فأخذت بحَقْو الرَّحمن، فقال له: مَه، قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القَطِيعة، قال: ألَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصلكِ، وأقطعُ مَن قطعكِ، قالت: بلى يا ربِّ، قال: فذاك». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا إن شئتم: {فهل عسيتُم إنْ تولَّيتُم أن تُفْسِدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامَكم}، وفي رواية للبخاري: فقال الله: (من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته).
[صحيح]
-
[متفق عليه]
قوله: «خَلَقَ اللهُ الخلقَ، فلمَّا فرغَ منه» أي: انتهى من خلق المخلوقات، وهو يدل على أن ذلك وقع في وقت محدد، وإن كان الله تعالى لا حدَّ لقدرته، ولا يشغله شأن عن شأن، ولكن اقتضت حكمته أن يجعل لفعله ذلك وقتًا معينًا، وهذا من الأدلة على أن أفعاله تتعلق بمشيئته، فمتى أراد أن يفعل شيئا فعله. وليس معنى قوله: «لما فرغ» أنه تعالى انتهى من خلق كل شيء، بل مخلوقاته تعالى لا تزال توجد شيئا بعد شيء، ولكن سبق علمه بها، وتقديره لها وكتابته إياها، ثم هي تقع بمشيئته، فلا يكون إلا ما سبق به علمه، وتقديره وكتابته، وشاءه فوجد. قوله: «قامت الرَّحِمُ فأخذت بحَقْو الرَّحمن، فقال له: مَه» هذه الأفعال المسنَدة إلى الرحم، من القيام والقول، ظاهر الحديث أنها على ظاهرها حقيقة، وإن كانت الرحم معنى يقوم بالناس، ولكن قدرة الله تعالى لا تُقاس بما يعرفه عقل الإنسان، وهذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات، التي نص الأئمة على أنها تُمَرُّ كما جاء، وردُّوا على من نفى موجبه. وليس ظاهر هذا الحديث أن لله إزاراً ورداءً من جنس الملابس التي يلبسها الناس، مما يصنع من الجلود والكتان والقطن وغيره، قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). قوله: «قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القَطِيعة» هذا أعظم مقام، والعائذ به استعاذ بأعظم معاذ، وهو دليل على تعظيم صلة الرحم، وعظم قطيعتها، والقطيعة: عدم الوصل، والوصل: هو الإحسان إلى ذوي القرابة، والتودُّد لهم والقرب منهم، ومساعدتهم، ودفع ما يؤذيهم، والحرص على جلب ما ينفعهم في الدنيا والآخرة. قوله: «قال: ألَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصلكِ، وأقطعَ مَن قطعكِ، قالت: بلى يا ربِّ، قال: فذاك» فمن وصل قرابته وصله الله، ومن وصله الله، وصل إلى كل خير وسعادة في الدنيا والآخرة، ولا بد أن تكون نهايته مجاورة ربه في الفردوس؛ لأن الوصل لا ينتهي إلا إلى هناك فينظر إلى وجه ربه الكريم. ومن قطع قرابته قطعه الله، ومن قطعه الله فهو المقطوع مع عدو الله الشيطان الطريد الرجيم.