«بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] إِلَى [ص:8] قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]. فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ».
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدّث عن احتباس الوحي عن النزول في أول البعثة بمكة: بينما كنت أمشي وفي أثناء ذلك فاجأني سماع صوت من السماء، فرفعت بصري، فرأيت المَلَك الذي جاءني في حراء، وهو جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففَزِعت منه، فرجعت إلى أهلي بسبب الرعب، فقلت لهم: لُفُّوني بالثوب، فأنزل الله تعالى قوله: {يا أيها المدثر } إيناسًا له وتلطفًا، والتدثير والتزميل بمعنى واحد، والمعنى يا أيها المتغطي بثيابه، {قم فأنذر} أي حذر من العذاب من لم يؤمن بك، وفيه دلالة على أنه أمر بالإنذار عقب نزول الوحي للإتيان بفاء التعقيب، إلى قوله: {والرجز} أي الأوثان {فاهجر} فاتركها، فبعد نزول هذه الآية كثر نزول الوحي واستمر في النزول.

الترجمة:
عرض الترجمات

من فوائد الحديث

  1. انقطاع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم يسيرًا بعد نزول قوله عز وجل: {اقرأ}.
  2. جواز تحدث الإنسان بما حصل له من المحن بعد زوالها؛ شكرًا لله تعالى.
  3. أول ما نزل قوله تعالى: {يا أيها المدثر} بعد نزول {اقرأ باسم ربك}.
  4. جواز رفع البصر إلى السماء عند وجود حادث من قبلها، ويستثنى من ذلك رفع البصر إلى السماء في الصلاة؛ لثبوت النهي عنه.
  5. فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث أفاض عليه وحيه دون انقطاع حتى فارق الدنيا، قال عز وجل: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.
  6. وجوب القيام بالدعوة إلى الله تعالى، وإنذار المعرضين وتبشير المطيعين.
  7. وجوب تطهير الثياب للصلاة، وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وثيابك فطهر (4)}.
  8. قدرة جبريل عليه السلام على الجلوس على كرسي في الهواء دون أن يكون تحته شيء من الأعمدة ونحوها، والله على كل شيء قدير، وعالم الغيب ليس كعالم الشهادة.
  9. في هذا الحديث تحقيق العلم بتصور الملائكة على صور مختلفة، وإقدار الله تعالى لهم على التركيب في أي شكل شاؤوا من صور بني آدم وغيرها، وأن لهم صورًا في أصل خلقتهم مخصوصة بهم، كل منهم على ما خلق عليه وشكل.
المراجع
  1. صحيح البخاري (1/ 7-8) (4)، صحيح مسلم (1/ 98) (161)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (4/ 430)، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 67).