عن أُمُّ سَلَمَة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فقال: «ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض؛ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ فَأَقْضِي لَهُ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا».
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

سمع النبي صلى الله عليه وسلم أصوات خصوم مختلطة؛ لما بينهم من المنازعة والمشاجرة عند بابه، فخرج إليهم؛ ليقضي بينهم، فقال: إنما أنا بشر مثلكم، لا أعلم الغيب، ولا أخبر ببواطن الأمور؛ لأعلم الصادق منكم من الكاذب، وإنما يأتيني الخصم لأحكم بينهم، وحكمي مبني على ما أسمعه من حجج الطرفين وبيِّناتهم وأيْمَانِهِم، فلعل بعضكم يكون أبلغ وأفصح وأبينَ من بعض؛ فأحسب أنه صادق مُحِق؛ فأقضي له، مع أن الحق -في الباطن- بجانب خصمه، فاعلموا أن حكمي في ظواهر الأمور لا بواطنها، فلن يحل حراما؛ ولذا فإن من قضيت له بحق غيره وهو يعلم أنه مبطل، فإنما أقطع له قطعة من النار، فليحملها إِن شاء، أو ليتركها، فعقاب ذلك راجع عليه، والله بالمرصاد للظالمين.

الترجمة: الإنجليزية الأوردية الإسبانية الإندونيسية الأيغورية البنغالية الفرنسية التركية الروسية البوسنية الهندية الصينية الفارسية تجالوج الكردية الهوسا البرتغالية المليالم
عرض الترجمات

معاني الكلمات

جَلَبَة:
هِي اخْتِلاطُ الْأَصْوَاتِ.
يَذرْهَا:
يَتركها.
أَبْلَغ مِنْ بَعْضٍ:
أَفْصَح في كَلَامِهِ مِنْه، وَأَقْدَر عَلَى إِظْهَار حُجَّتِهِ.
فَأَحْسَبُ:
فأَظُنّ وَأَعْتَقِد.

من فوائد الحديث

  1. أن الصحابة بشر ليسوا بمعصومين، وأنه يحصل بينهم الخصومة، لكنهم أفضل البشر بعد الأنبياء.
  2. أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلمُ الغَيْبَ والأُمُورَ الباطِنَة إلا بِتَعْلِيمِ اللهِ لَهُ، وفي ذلك ردٌّ على الذين يغلون فيه.
  3. فِيهِ تَسْليَةٌ وَعَزَاءٌ لِلحُكَّام، فإنَّهُ إِذَا كَانَ النبي-صلى الله عليه وسلم- قدْ يَظُن غَيرَ الصَّوَابِ؛ لقُوةِ حُجَّةِ الْخَصْم فيَحكُم له، فإن غيره من باب أولى وأحرى.
  4. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كُلِّفَ بِالْحُكم بِالظَّاهِر.
  5. يُؤخَذُ منهُ العمل بالظَنِّ، وبناء الحكم عليه، حيث قال: فأحسب أنه صادقٌ، وهو أمر مجمعٌ عليه بالنسبة للحاكم والمفتي.
  6. التَقْييدُ بِ (المسْلِم) في قوله: (بحق مسلم) خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِب، وإِلا فَمثله الذِّمِّي والمعَاهَد.
  7. أنَّ حُكْمَ الحاكم لا يُحِيلُ مَا في البَّاطِن، ولا يحِلُّ حَرَاماً.
  8. قوله: "فليحملها أو ليذرها" فيه تهديد شديد ووعيد أكيد على من أخذ أموال الناس بالدعاوى الكاذبة، والحيل المحرمة، فهذا التعبير شبيه بقوله تعالى {اعملوا ما شئتم}.
  9. يُؤْخذُ منه مَوعِظةُ القاضي للخُصوم.
المراجع
  1. الإلمام بشرح عمدة الأحكام، إسماعيل بن محمد الأنصاري، دار الفكر، دمشق، الطبعة: الأولى 1381هـ.
  2. تأسيس الأحكام، أحمد بن يحيى النجمي، دار علماء السلف، الطبعة: الثانية 1414هـ.
  3. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، عبد الله بن عبد الرحمن البسام، تحقيق: محمد صبحي حلاق، مكتبة الصحابة، الأمارات، مكتبة التابعين، القاهرة، الطبعة: العاشرة 1426هـ.
  4. عمدة الأحكام من كلام خير الأنام -صلى الله عليه وسلم- لعبد الغني المقدسي، دراسة وتحقيق: محمود الأرناؤوط، مراجعة وتقديم: عبد القادر الأرناؤوط، دار الثقافة العربية، دمشق، بيروت، مؤسسة قرطبة، الطبعة: الثانية 1408هـ.
  5. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى 1422هـ.
  6. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: 1423هـ.