عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال أبو جهل: هل يُعَفِّر محمدٌ وجهَه بين أَظْهُركم؟ قال فقيل: نعم، فقال: واللَّات والعُزَّى لَئِن رأيتُه يفعل ذلك لأَطَأَنَّ على رقبتَه، أو لأُعَفِّرنَّ وجهَه في التراب، قال: فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، زَعَم لَيَطَأ على رقبته، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنْكِصُ على عَقِبَيْه ويتَّقي بيديْه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إنَّ بيْني وبيْنه لخَنْدَقًا من نار وهَوْلًا وأجنِحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو دنا منِّي لاخْتَطفَتْه الملائكةُ عُضْوًا عُضْوًا» قال: فأنزل اللهُ -عزَّ وجلَّ- -لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه -: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 7]- يعني أبا جهل - {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 14]، زاد عبيد الله -أحد الرواة- في حديثه قال: وأمره بما أمره به. وزاد ابن عبد الأعلى -راوٍ آخر-: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17]، يعني قومه.
[صحيح] - [رواه مسلم]

الشرح

قال أبو جهل ذات يوم لأصحابه: هل يصلي محمد ويسجد على التراب بينكم وعلى مرأى ومسمع منكم؟ فقال أصحابه: نعم. فحلف أبو جهل باللات والعزى لئن رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم يسجد ليدوسن على رقبته، أو يعفر وجهَه في التراب، فرأى أبو جهل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فأتاه ليدوس على رقبته، وفجأة رأوا أبا جهل يرجع إلى الخلف مذعورًا، يمد يديه كأنه يدفع بهما شيئًا، فقال له أصحابه: ما لك؟ فأخبرهم أنه عندما همَّ أن يدوس على رقبة محمد صلى الله عليه وسلم رأى حفرة من نار بينه وبينه ورأى أجنحةً وأمرًا فظيعًا جعله يخاف خوفًا شديدًا ويهرب إلى الخلف، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو اقترب منه أكثر من ذلك لقطعت الملائكة أعضاءه عضوًا عضوًا. فأنزل اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، كَلَّا لَا تُطِعْهُ} أي: إن الإنسان -والمقصود ههنا أبو جهل- يُسرف في الكفر والمعاصي والظلم إن رأى نفسه غنيًّا، إن إلى ربك يا محمد مرجع هذا الكافر، فيذيقه من أليم عقابه، أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند الكعبة، وهو معرض عن الحق، مكذب به، فأي شيء أعجب من هذا؟ أرأيت إن كان محمد على الهدى، وأمر بالتقوى، أرأيت إن كذب أبو جهل بالحق الذي بُعث به محمد، وأدبر عنه، فلم يصدق به، ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى ذلك فيجازيه يوم القيامة؟ لئن لم ينته أبو جهل عن تكذيب محمدٍ وشتمه وإيذائه لنأخذن بمقدم رأسه إلى النار، هذه الرأس صاحبها كاذب خاطىء، فليدع أبو جهل حينئذ أهل مجلسه فليستنصر بهم، فإنه إن دعاهم سندعوا نحن الملائكة الغلاظ الشداد، فلا تطعه يا محمد في ترك الصلاة، وصل لله واقترب إليه بالطاعة.

الترجمة: الإنجليزية الإندونيسية الأيغورية الفرنسية الروسية البوسنية الهندية الصينية الفارسية
عرض الترجمات

معاني الكلمات

يُعَفِّر:
يسجد ويلصق وجهه بالعفر، وهو التراب.
اللَّات:
اسم صنم كان لقبيلة ثقيف بالطائف.
العُزَّى:
اسم صنم كان لقريش وبني كنانة.
لأَطَأَنَّ:
لأدوسنَّ.
يَنْكِصُ:
يرجع إلى خلفه.
عقبيه:
العقب: مؤخر القدم.
يتَّقي:
يدفع.
خندق:
حفرة.
هَوْلا:
خوفًا وأمرًا شديدًا.
دنا:
قرب.
يطغى:
يسرف في المعاصي والظلم.
الرُّجْعَى:
المرجع.
لنسفعًا:
لنأخذن.
الناصية:
مقدم الرأس.
ناديه:
أهل مجلسه.
الزبانية:
الملائكة الغلاظ الشداد.

من فوائد الحديث

  1. هذا الحديث من جملة آياته -صلى الله عليه وسلم- وعلامات نبوته؛ ولهذا الحديث أمثلة كثيرة فى عصمته من أبي جهل وغيره ممن أراد ضره.
  2. الإيمان بالملائكة وأن لها أجنحة.
  3. أن الله -سبحانه وتعالى- يحمي رسوله من كيد الكفار.
  4. تمادي الكفار في غيِّهم -وعلى رأسهم أبو جهل فرعون هذه الأمة- رغم رؤيتهم ما يشهد بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم, من الآيات والبراهين.
  5. في الحديث إشارة إلى ما لاقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى في الفترة المكية.
المراجع
  1. - صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  2. - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي، نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392ه.
  3. - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، نشر: المكتبة العلمية - بيروت، 1399هـ - 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى - محمود محمد الطناحي.
  4. - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي بن سلطان الملا الهروي القاري، الناشر: دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م.
  5. - الإفصاح عن معاني الصحاح، ليحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيباني، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، الناشر: دار الوطن، سنة النشر: 1417هـ.
  6. - كشف المشكل من حديث الصحيحين، لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: علي حسين البواب، الناشر: دار الوطن – الرياض.
  7. - تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، نشر: دار الهداية.
  8. - تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن, محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري, تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي, دار هجر, الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م.
  9. - إكمال المعلم بفوائد مسلم لعياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، المحقق: الدكتور يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.