عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائدَ كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تَخَلَّفَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتَخَلَّفْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوةٍ غَزَاهَا قَطُّ إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوةِ بدرٍ، ولم يُعَاتَبْ أحدًا تخلف عنه؛ إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عِيرَ قُرَيْشٍ حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تَوَاثَقْنَا على الإسلام، وما أُحِبُّ أَنَّ لي بها مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بدرٌ أذكرَ في الناس منها.
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أني لم أكن قط أَقْوَى ولا أَيْسَرَ مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا وَرَّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومَفازا، واستقبل عددا كثيرا، فجَلَّى للمسلمين أمرهم ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ «يريد بذلك الديوان». قال كعب: فقل رجل يريد أن يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أَصْعَرُ، فتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهز معه،لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْزُنُنِي أني لا أرى لي أُسْوَةً، إلا رجلا مَغْمُوصًا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عَذَرَ الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» فقال رجل من بني سَلِمَةَ: يا رسول الله، حبسه بُرْدَاهُ والنظر في عِطْفَيْهِ. فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فبينا هو على ذلك رأى رجلا مُبَيِّضًا يزولُ به السَّرَابُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة»، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لَمَزَهُ المنافقون.
قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجه قافلًا من تبوك حضرني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكرُ الكذبَ وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادما، زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا، فأجمعتُ صِدْقَهُ وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المُخَلَّفُونَ يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلا، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم وَوَكَلَ سَرَائِرَهُم إلى الله تعالى، حتى جئت، فلما سلمت تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المغضب. ثم قال: «تعالَ»، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟» قال: قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلستُ عندَ غيرِك من أهل الدنيا لرأيتُ أني سأخرج من سخطه بعذر؛ لقد أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولكني واللهِ لقد علمتُ لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وإن حَدَّثْتُكَ حديث صدق تَجِدُ عَلَيَّ فيه إني لأرجو فيه عُقْبَى اللهِ - عز وجل - والله ما كان لي من عُذْرٍ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.
قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فَقُمْ حتى يقضي الله فيك». وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبتَ ذنبا قبل هذا لقد عَجَزْتَ في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك.
قال: فوالله ما زالوا يُؤَنِّبُونَنِي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُكَذِّبَ نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟ قالوا: مُرَارَةُ بنُ الربيعِ العَمْرِي، وهلال بن أُمية الوَاقِفِي؟ قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أُسْوَةٌ، قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس - أو قال: تغيروا لنا - حتى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنتُ أَشَبَّ القومِ وأَجْلَدَهُم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأُسَارِقُهُ النظرَ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عَلَيَّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تَسَوَّرْتُ جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أَنْشُدُكَ بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تَسَوَّرْتُ الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نَبَطِيٌ مِن نَبَطِ أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا.
فقرأته فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضيَعَةٍ، فالْحَقْ بنا نُوَاسِكَ، فقلت حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء، فَتَيَمَّمْتُ بها التَّنُّورَ فَسَجَرْتُها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واسْتَلْبَثَ الوحيُ إذا رسولُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأتيني، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تَعْتَزِلَ امرأتك، فقلت: أُطَلِّقُهَا أم ماذا أفعل؟ فقال: لا، بل اعْتَزِلْهَا فلا تَقْرَبَنَّهَا، وأرسل إلى صاحِبَيَّ بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا، ولكن لا يَقْرَبَنَّكِ» فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريني ماذا يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته، وأنا رجل شاب! فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نُهِيَ عن كلامنا، ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا، قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سَلْعٍ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبْشِرْ، فخررت ساجدا، وعرفت أنه قد جاء فرج. فآذَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الناسَ بتوبة الله - عز وجل - علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، فذهبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مبشرون ورَكَضَ رجلٌ إليَّ فرسًا وسعى ساعٍ مِن أَسْلَمَ قِبَلِي، وأوفى على الجبل، فكان الصوتُ أسرعَ من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثَوْبَيَّ فكسوتهما إياه بِبِشَارَتِهِ، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أَتَأَمَّمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَلَقَّاني الناس فوجا فوجا يُهنِّئونَني بالتوبة ويقولون لي: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - يُهَرْوِلُ حتى صافحني وهَنَّأَنِي، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره - فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ من السرور: «أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك» فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله - عز وجل -»، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ استنار وَجْهُهُ حتى كأن وَجْهَهَ قطعةُ قمر وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنْخَلِعَ من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك». فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كِذْبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي، قال: فأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} حتى بلغ: {إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} حتى بلغ: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117 - 119] قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صِدْقِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كَذَبْتُهُ، فأَهْلِكَ كما هَلَكَ الذين كذبوا؛ إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة: 95 - 96] قال كعب: كنا خُلِّفْنَا أيها الثلاثةُ عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حَلَفُوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجَأَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك. قال الله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عَمَّنْ حَلَفَ له واعتذر إليه فقبل منه. متفق عليه.
وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة تبوك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس.
وفي رواية: وكان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه.
[صحيح]
-
[متفق عليه]
هذا حديث كعب بن مالك رضي الله عنه ، في قصة تخلفه عن غزوة تبوك، وكانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة. وكانت هذه الغزوة في أيام الحر حين طابت الثمار وصار المنافقون يحبون الدنيا على الآخرة، فتخلف المنافقون عن هذه الغزوة ولجأوا إلى الظل والرطب والتمر، وبعدت عليهم الشُّقة والعياذ بالله، كما أخبر الله سبحانه في القرآن وكما في هذا الحديث. أما المؤمنون الخلص، فإنهم خرجوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يُضعف عزمهم بعد المسافة ولا طيب الثمار. إلا أن كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر، وهو من المؤمنين الخلص، ولهذا قال: "إنه ما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزوة غزاها قط، كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم قد شارك فيها كعب رضي الله عنه فهو من المجاهدين في سبيل الله، إلا في غزوة بدر، فقد تخلف فيها كعب وغيره، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة لا يريد القتال، ولذلك لم يخرج معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا فقط؛ لأنهم كانوا يريدون أن يأخذوا إبلًا لقريش مُحملة قدمت من الشام تريد مكةَ وتَمُرُّ بالمدينة. ثم ذكر بَيعته النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في مِنى، قبل الهجرة، حيث بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام وقال: إنني لا أحب أن يكون لي بدلها شهود بدر؛ وإن كانت بدر أكثر ذكرًا، لأن الغزوة اشتهرت بخلاف البيعة. كان رضي الله عنه قوي البدن، ياسر الحال، حتى إنه كان عنده راحلتان في تلك الغزوة، وما جمع راحلتين في غزوة قبلها أبدًا، وقد استعد وتجهز رضي الله عنه وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها فيظهر خلاف ما يريد، وهذا من حكمته وحنكته في الحرب؛ لأنه لو أظهر ما يقصده تبين ذلك لعدوه، فربما يستعد له أكثر، وربما يذهب عن مكانه الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ إلا في غزوة تبوك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرها ووضحها وجَلَّاها لأصحابه، وأخبر أنه خارج إلى تبوك إلى عدوٍّ كثير، وإلى مكان بعيد حتى يستعد الناس. فخرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف إلا من خذله الله بالنفاق، وثلاثة رجال فقط من المؤمنين، هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية رضي الله عنهم ، لكن تخلفوا لأمر أراده الله عز وجل أما غيرهم ممن تخلف فإنهم منافقون منغمسون في النفاق، نسأل الله العافية. فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه وهم كثير، إلى جهة تبوك حتى نزل بها، ولكن الله تعالى لم يجمع بينه وبين عدوه، بل بقي عشرين يوماً في ذلك المكان، ثم انصرف بغير حرب. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه إن الرسول صلى الله عليه وسلم تجهز هو والمسلمون وخرجوا من المدينة، أما هو رضي الله عنه فتأخر وجعل يغدو كل صباح يرحِّل راحلته ويقول: سوف ألحق بهم، ولكنه لا يفعل شيئًا، ثم يفعل كل يوم كذلك، حتى تمادى به الأمر ولم يدرك. يقول: فكان يحز في نفسه أنه إذا خرج إلى سوق المدينة، وإذا المدينة ليس فيها أحد من المهاجرين ولا الأنصار، وليس فيها إلا رجل مغموس في النفاق -والعياذ بالله- قد غمسه نفاقه فلم يخرج، أو رجل معذور عذره الله عز وجل. فكان يعتب على نفسه: كيف لا يبقى في المدينة إلا هؤلاء وأقعد معهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكره ولم يسأل عنه حتى وصل إلي تبوك. فبينما هو جالس وأصحابه في تبوك سأل عنه، فقال رسول الله: أين كعب بن مالك؟ فتكلم فيه رجل من بني سلمة وغمزه، ولكن دافع عنه معاذ بن جبل رضي الله عنه فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجب بشيء، لا على الذي غمزه ولا على الذي رد. فبينما هو كذلك إذ رأى رجلا لابسا البياض يتحرك به السراب من بعيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة الأنصاري" فكان أبا خيثمة، وهذا معناه الفراسة والتمني أن يصبح هذا القادم من بعيد هو أبو خيثمة. وأبو خثيمة هذا هو الذي تصدق بصاع عندما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فتصدق الناس كل بحسب حاله. فكان الرجل إذا جاء بالصدقة الكثيرة قال المنافقون: هذا مُراءٍ ما أكثر الصدقة ابتغاء وجه الله، وإذا جاء الرجل الفقير بالصدقة اليسيرة قالوا: إن الله غَنِيٌّ عن صاعِ هذا. يقول رضي الله عنه : إنه لما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع قافلًا من الغزو، بدأ يفكر ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع؟ يريد أن يتحدث بحديث وإن كان تورية، من أجل أن يعذره النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وجعل يشاور ذوي الرأي من أهله ماذا يقول، ولكن يقول رضي الله عنه : فلما بلغه قرب النبي صلى الله عليه وسلم زال عنه الباطل، وعزم على أن يبين للنبي صلى الله عليه وسلم الحق، يقول: فقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ودخل المسجد، وكان من عادته وسنته أنه إذا قدم بلده فأول ما يفعل أن يصلي في المسجد عليه الصلاة والسلام. فدخل المسجد وصلى وجلس للناس فجاءه المخلفون الذين تخلفوا من غير عذر من المنافقين، وجعلوا يحلفون له إنهم معذورون، فيبايعهم ويستغفر لهم؛ ولكن ذلك لا يفيدهم والعياذ بالله؛ لأن الله تعالى قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التوبة: من الآية80)، فيقول: أما أنا فعزمت أن أصدق النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره بالصدق، فدخلت المسجد فسلمت عليه، فتبسم تبسم المغضب ثم قال: "تعال" فلما دنوت منه قال لي: "ما خلفك؟". فقال رضي الله عنه : يا رسول الله إني لم أتخلف لعذر، وما جمعت راحلتين قبل غزوتي هذه، وإني لو جلست عند أحد من ملوك الدنيا لخرجت منه بعذر، فلقد أوتيت جدلًا- يعني لو أني جلست عند شخص من الملوك لعرفت كيف أتخلص منه لأن الله أعطاني جدلًا- ولكني لا أحدثك اليوم حديثا ترضى به عني فيوشك أن يسخطك الله علي في ذلك. فصدقه القول وأخبره أنه لا عذر له لا في بدنه ولا في ماله، بل إنه لم يجمع راحلتين في غزوة قبل هذه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أما هذا فقد صدق" ويكفي له فخرًا أن وصفه النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصدق: "أما هذا فقد صدق، فاذهب حتى يقضي الله فيك ما شاء". فذهب الرجل مستسلمًا لأمر الله عز وجل مؤمناً بالله، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فلحقه قوم من بني سلمة من قومه وجعلوا يزينون له أن يرجع عن إقراره، وقالوا له: إنك لم تذنب ذنبًا قبل هذا، ويكفيك أن يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا استغفر لك الرسول صلى الله عليه وسلم غفر الله لك، فارجع كذب نفسك، قل إني معذور، حتى يستغفر لك الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيمن استغفر لهم ممن جاؤوا يعتذرون إليه، فهم أن يفعل- رضي الله عنه- ولكن الله سبحانه أنقذه وكتب له هذه المنقبة العظيمة التي تتلى في كتاب الله إلى يوم القيامة. فسال قومه: هل أحد صنع مثلما صنعت؟ قالوا: نعم، هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، قالا مثلما قلت، وقيل لهما مثلما قيل لك، قال: فذكروا لي رجلين صالحين شهدا بدرًا لي فيهما أسوة. فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس أن يهجروهم فلا يكلموهم. فهجرهم المسلمون، ولكنهم بعد ذلك صاروا يمشون وكأنهم بلا عقول، قد ذهلوا، وتنكرت لهم الأرض فما هي بالأرض التي كانوا يعرفونها؛ لأنهم يمشون إن سلموا لا يرد عليهم السلام، وإن قابلهم أحد لم يبدأهم بالسلام. وحتى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أحسن الناس خلقاً لا يسلم عليهم. يقول كعب: كنت أحضر وأسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدري: أحرك شفتيه برد السلام أم لا. فضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وبقوا على هذه الحال مدة خمسين يوما والناس قد هجروهم فلا يسلمون عليهم، ولا يردون السلام إذا سلموا. فضاقت عليهم الأمور وصعبت عليهم الأحوال، وفروا إلى الله عز وجل ، ولكن مع ذلك لم يكن كعب بن مالك يدع الصلاة مع الجماعة. فكان يحضر ويسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولكن في آخر الأمر ربما يتخلف عن الصلوات؛ لما يجد في نفسه من الضيق والحرج؛ لأنه يخجل أن يأتي إلى قوم يصلي معهم وهم لا يكلمونه أبدًا، لا بكلمة طيبة ولا بكلمة تأنيب. قال: "فأما صاحباي فاستكانا في بيوتهما يبكيان"؛ لأنهما لا يستطيعان أن يمشيا في الأسواق، والناس قد هجروهم لا يلتفت إليهم أحد، ولا يسلم عليهم أحد، وإذا سلموا لا يرد عليهم السلام، فعجزوا عن تحمل هذه الحال، فبقيا في بيوتهما يبكيان. يقول: وكنت أنا أقواهم وأصبرهم لأنه كان أصغرهم سنا؛ فكان يشهد صلاة الجماعة مع المسلمين، ويطوف بأسواق المدينة لا يكلمه أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهجرهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم أطوع الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول: كنت أصلي وأسارق النبي صلى الله عليه وسلم النظر، يعني: أنظر إليه أحيانًا وأنا أصلي، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت إليه أعرض عني، كل هذا من شدة الهجر. يقول: "فبينما أنا أمشي ذات يوم في أسواق المدينة وطال علي جفوة الناس، تسورت حائطًا –أي: دخله من فوق الجدار- لأبي قتادة رضي الله عنه ، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام"، وهو ابن عمه وأحب الناس إليه، ومع ذلك لم يرد عليه السلام، كل هذا طاعة لله ورسوله. فقال له: أنشدك الله، هل تعلم أني احب الله ورسوله؟ فلم يرد عليه. مرتين يناشده وأبو قتادة لم يرد عليه، وهو يعلم أن كعب بن مالك يحب الله ورسوله. فلما رد عليه الثالثة وقال: أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله ورسوله أعلم. لم يكلمه، فلم يقل: نعم؟ ولا قال: لا. يقول: فبكى ثم خرج إلى السوق، فبينما هو يمشي إذا برجل نبطي من أنباط الشام يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ قلت: أنا هو، فأعطاني الورقة، وكنت كاتباً؛ لأن الكتاب في ذلك العهد قليلون جدًّا. يقول: "فقرأت الكتاب، فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك جفاك -يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان هذا الملك: ملك غسان كافرًا- وإنك لست بدار هوان ولا مضيعة، فتعال إلينا نواسك بأموالنا، وربما نواسيك بملكنا. ولكن الرجل رجل مؤمن بالله تعالى ورسوله، ومحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا أيضا من البلاء، ثم ذهب إلى التنور فأحرقها. ولما تمت لهم أربعون ليلة وأبطأ الوحي فلم ينزل أرسل إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعتزلوا نساءهم. فقال كعب: أطلقها أم ماذا؟ لأنه لو قال طلِّقها لطلقها بكل سهولة؛ طاعة لله ورسوله، فسأل فقال: أطلقها أم ماذا؟ فقال له رسول الرسول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمرك أن تعتزل أهلك. وبقي على ظاهر اللفظ. فقال كعب لزوجته الحقي بأهلك حتى يقضي الله هذا الأمر. فلحقت بأهلها. وجاءت زوجة هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنه في حاجة إليها لتخدمه؛ لأنه ليس له خادم، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يقربها، فقالت: "إنه والله ما به من حركة إلي شيء" يعني أنه ليس له شهوة في النساء، وأنه يبكي رضي الله عنه منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم إلي يومه هذا، أربعون يومًا يبكي؛ لأنه ما يدري ماذا ستكون النهاية. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته، وأنا رجل شاب! فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نُهِيَ عن كلامنا. يقول: "وكنت ذات يوم أصلي الصبح على سطح بيت من بيوتنا، فسمعت صارخًا يقول وهو على سَلْع -وهو جبل معروف في المدينة- أوفى عليه وصاح بأعلى صوته يقول: "يا كعب بن مالك أبشر"، يقول: "فخررت ساجدًا، وعرفت أنه قد جاء فرج"، وركب فارس من المسجد يؤم بيت كعب بن مالك ليبشره، وذهب مبشرون إلى هلال بن أمية ومرارة بن الربيع يبشرونهما بتوبة الله عليهما. يقول: فجاء الصارخ الماشي على قدميه، وجاء صاحب الفرس، فكانت البشرى للصارخ؛ لأن الصوت أسرع من الفرس، يقول: فأعطيته ثوبي الإزار والرداء، وليس يملك غيرهما، لكن استعار من أهله أو من جيرانه ثوبين فلبسهما، وأعطى ثوبيه للذي بشره. ثم نزل متوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر الناس بعد صلاة الصبح بأن الله أنزل توبته على هؤلاء الثلاثة. يقول: فذهبت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أقصده، فجعل الناس يلاقونني أفواجًا يهنئونني بتوبة الله عليَّ حتى دخلت المسجد. يقول: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه، فقام إلي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فصافحني وهنأني بتوبة الله عليَّ. يقول: والله ما قام إلي أحد من المهاجرين رجل غير طلحة، فكان لا ينساها له. حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا وجهه يبرق؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- سره أن يتوب الله على هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا الله ورسوله، وأخبروا بالصدق عن إيمان، وحصل عليهم ما جرى من الأمر العظيم، من هجر الناس لهم خمسين يومًا، حتى نسائهم بعد الأربعين أَمَرَ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يعتزلوهن. ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك". فقال له: "أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا بل من عند الله عز وجل"؛ لأنه إذا كان من عند الله كان أشرف وأفضل وأعظم. فقال كعب: إن من توبته أن يتخلى عن ماله، ويجعله صدقة لله تعالى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك". قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. ثم ذكر كعب بن مالك أن من توبته أن لا يحدث بحديث كذب بعد إذ نجاه الله تعالى بالصدق، وما زال كذلك ما حدث بحديث كذب أبدًا بعد أن تاب الله عليه، فكان رضي الله عنه مضرب المثل في الصدق، حتى إن الله أنزل فيه وفي صاحبيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119). وأنزل الله تعالى الآيات في بيان منته عليهم بالتوبة من قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} (التوبة: 117: 119). قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شر ما قال لأحد، قال سبحانه : {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96]، قال: كنا خُلِّفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حَلَفوا له، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَنَا حتى قضى الله فيه بذلك، قال الله عز وجل: وعلى الثلاثة الذين خلفوا، وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفْنا، تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه". وذكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج في يوم الخميس. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى المدينة ضحى، وأنه دخل المسجد فصلى فيه ركعتين، وكان هذا من سنته صلى الله عليه وسلم أنه إذا قدم بلده لم يبدأ بشيء قبل المسجد.