قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟»، قُلْنَا: لاَ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا» ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ "، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: " مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]، «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلاَئِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».
[صحيح]
-
[متفق عليه]
سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: «هل نرى ربنا يوم القيامة؟» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تزدحمون وتتنازعون عند رؤية الشمس والقمر إذا كان الجو صحوا؟ فقالوا: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس في النهار والقمر ليلة البدر من غير ازدحام ولا منازعة.
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ينادي مناد يوم القيامة: من كان يعبد شيئا من دون الله فليتبعه؛ فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله سواء كان مطيعا أو عاصيا.
وأما اليهود والنصارى فلا يبقى إلا قليل منهم، وأما أكثرهم فقد ذهب بهم مع أوثانهم إلى جهنم، ثم يؤتى بجهنم تسحبها الملائكة، تعرض على الناس كأنها سراب.
فيجاء باليهود، فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال لهم: كذبتم في قولكم: عزير ابن الله؛ فإن الله لم يتخذ زوجة ولا ولدا، ثم يقال لهم: فماذا تشتهون؟ فيقولون: نحن عطاش ونريد أن نشرب، وقد مثلت لهم جهنم سراب كأنها ماء، فيقال لهم: اذهبوا إلى ما ترونه ماء فاشربوا، فيذهبون فيتساقطون في جهنم.
ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم؛ لم يتخذ الله زوجة ولا ولدا، ثم يقال لهم: فماذا تشتهون؟ فيقولون: نحن عطاش ونريد أن نشرب، وقد مثلت لهم جهنم سراب كأنها ماء، فيقال لهم: اذهبوا إلى ما ترونه ماء فاشربوا، فيذهبون فيتساقطون في جهنم.
حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من مطيع وعاص، فيقال لهم: ما يجلسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقنا الناس في الدنيا ونحن اليوم أحوج إلى مفارقتهم؛ وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا الذي كنا نعبده في الدنيا.
فيأتيهم الجبار سبحانه في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة، فيقول لهم: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، وعند ذلك لا يكلمه سبحانه إلا الأنبياء، فيقول الله لهم: هل بينكم وبين ربكم آية تعرفونه بها؟ فيقولون: الساق. فيكشف سبحانه عن ساقه فيعرفه المؤمنون بذلك فيسجدون له، وأما المنافقون الذين يراءون الناس بعبادتهم، فيذهبون يريدون السجود، فتصير فقار ظهورهم واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود.
ثم يؤتى بالصراط فيجعل جسرا فوق جهنم، وهذا الصراط لا تستمسك فيه الأقدام، ولا تثبت، وعلى هذا الصراط خطاطيف، وهو الحديدة المعكوفة المحددة؛ لتمسك من أريد خطفه بها، فهي قريبة من الكلوب، وعلى الصراط أيضا أشواك غليظة عريضة مفلطحة.
ويمر المؤمنون عليه على قدر إيمانهم وأعمالهم، ويتفاوتون في سرعة المرور عليه، فمنهم من يمر كلمح البصر، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، ومن يسحب على الصراط سحبا قد عجزت أعماله عن حمله، وهم أصناف:
الأول: الناجي السالم من الأذى. والثاني: الناجي المخدوش بجرح خفيف حيث أصابته الكلاليب والخطاطيف التي على الصراط. والثالث: المدفوع على وجهه في النار، الملقى فيها بقوة بعضهم فوق بعض.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم، من المؤمن يومئذ للجبار؛ فيلهم الله المؤمنين الذين نجوا من عذاب النار وهول الصراط مناشدته، ويأذن الله لعباده المؤمنين بالشفاعة لإخوانهم الموحدين الذين ألقوا في النار، بسبب ذنوبهم التي عملوها.
فيقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى لهم: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مقدار دينار من إيمان فأخرجوه من النار، ويحرم الله على النار أن تأكل وجوههم، فيأتونهم فيجدون بعضهم قد أخذته النار إلى قدميه، وبعضهم إلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا منهم.
ثم يعودون، فيقول الله لهم: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مقدار نصف دينار من إيمان فأخرجوه من النار، فيخرجون من عرفوا منهم، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مقدار ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا منهم، وعند ذلك قال أبو سعيد الخدري: فإن لم تصدقوني فاقرءوا:
{إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها}
[النساء: 40]
ثم قال: فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، ثم يقول الجبار: لم يبق إلا رحمتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد احترقوا وصاروا فحما، فيطرحون في نهر بأطراف الجنة يعرف بماء الحياة؛ فيحيى من انغمس فيه، فتنبت لحومهم وأجسادهم بسرعة كما تنبت البذرة فيما يحمله المطر إذا سال في الوادي.
فإنه يحمل من الغثاء ونحوه ما ينبت منه العشب، تنبت صفراء ملتوية، نباتا ضعيفا ثم يقوى ويكمل نباته، ويحسن خلقه، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ في صفائهم وحسنهم، فيجعل في رقابهم الخواتيم ويكتب فيها: عتقاء الرحمن من النار، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة، بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، وإنما معهم أصل الإيمان، الذي هو شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان برسولهم، فيقال لهم: لكم ما رأيتم، ومثله معه.