عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ».
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان هناك رجل من بني إسرائيل يبالغ في المعاصي، فلما جاءته سكرات الموت قال لبنيه: إذا مت فأحرقوا جسدي بالنار، ثم اطحنوني، ثم اتركوا الريحَ تُفرِّق أجزائي، فوالله إذا قدر علي ربي سيعذبني عذابًا لم يعذبه أحدًا، ولم يقل ذلك شكًّا في القدرة على إحيائه وإعادته ولا إنكار البعث، بل قاله في حال غلبة الخوف عليه، بحيث ذهب تدبره فيما يقوله، فصار كالغافل والناسي الذي لا يؤاخذ بما صدر منه، فلما مات فُعل به الذي أوصى به، فأمر الله الأرض فقال لها: اجمعي ما فيك من هذا الرجل، فجمعت ما فيها، فقام بين يديه تعالى، فسأله الله عز وجل: ما الذي جعلك تفعل هذا؟ قال: يا رب، خَشيتُك حملتني على ما صنعت، فغفر الله له، وكان ذلك عذرًا وتأولًا مقبولًا منه.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

ذرُّوني:
انثروني وفَرِّقوني.

من فوائد الحديث

  1. إثبات البعث بعد الموت، وإن تفرقت الأجزاء وتلاشت.
  2. بيان عظمة قدرة الله تعالى.
  3. فضيلة الخوف من الله تعالى وغلبتها على العبد، وأنها من مقامات الإيمان، وبها انتفع هذا المسرف وحصلت له المغفرة.
  4. لا ضرر على العبد في غلبة الخوف، وإن كانت بقرب الوفاة، وإن كان المطلوب من العبد في تلك الحالة أن يحسن ظنه بربه.
  5. أن خوف العبد من ذنبه، ليس كراهيةَ للقاء الله تعالى؛ لأن الخائف من ذنبه يطلب أن يكون مصيره إلى الدار الآخرة على وجه مرضي يقربه إلى الله تعالى، فكره حالة نفسه التي هو عليها، وأحب لقاءه على غير تلك الحالة.
  6. الأعمال بالنيات والمقاصد، فإن الله تعالى لم ينظر إلى هذا العمل بل إلى القصد، ولما كان الحامل عليه الخشية كان سبب المغفرة، ولو حمل عليه سبب آخر فاسد لكان الأمر بخلاف ذلك.
  7. سعة رحمة الله تعالى ومغفرته، وأن المسرف على نفسه لا ييأس من ذلك.
المراجع
  1. صحيح البخاري (4/ 176) (3481)، صحيح مسلم (4/ 2109) (2756)، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (5/ 438)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 651).