عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قَلِيبٍ عليها دَلْوٌ، فنزعتُ منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذَنوبًا أو ذَنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غَرْبًا، فأخذها ابن الخطاب فلم أر عَبْقَرِيًّا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضَرَبَ الناسُ بِعَطَنٍ».
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا نائم رأيت رؤيا وهي أنني على بئر، وعليه دلو، فأخرجت من البئر ما شاء الله من الماء، ثم أخذ الدلو ابن أبي قحافة أي أبو بكر رضي الله عنه، فأخرج الدلو من البئر وهو ممتلئ مرة أو مرتين، وفي إخراجه للماء ضَعف، والله يغفر له ضعفه، وليس فيه حط من مرتبته، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة خلافته والاضطراب الذي وجد في زمانه من أهل الردة، ثم تحول الدلو إلى دلوٍ عظيم، فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أر سيدًا عظيمًا قويًا من الناس يخرج الماء مثل إخراج عمر له، حتى ضرب الناس بِعَطَنٍ، وهو ما يعد للشرب حول البئر عند مبارك الإبل، وفيه إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها. وهذا ضرب مثل لحاله عليه الصلاة والسلام مع أمته وقيامه بأمرهم، وقيام أبى بكر وعمر بعده، وصفة حالتهم في الخلافة واستقرار الأمور واتساع الإسلام، وكثرة الفيء والخير، واستقرار الشريعة والعلم والفقه في الدين أيام عمر، فعبر بجمع الماء عن جمع من الأموال والكنوز، وشبه وليهم بالمستقي منها، وسقيه للناس بقيامه بمصالحهم وتدبيره أمورهم.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

قليب:
بئر.
دلو:
وعاء جلدي يُستقى به من البئر.
فنزعتُ منها:
جذبت منها.
ذنوبًا:
الدلو العظيمة، وقيل: لا تسمى ذنوبًا إلا إذا كان فيها ماء.
استحالت:
تحوّل في يده غرْبًا.
غرْبًا:
بسكون الراء: الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد الثور، فإذا فُتحت الراء: فهو الماء السائل بين البئر والحوض.
عبقريًا:
سيدهم وكبيرهم وقويّهم.
ينزع نزع عمر:
يعمل عمله ويقطع قطعه.
بعطن:
مبرك الإبل حول الماء.

من فوائد الحديث

  1. فضيلة أبي بكر رضي الله عنه.
  2. فضيلة عمر رضي الله عنه، وإنما حصل له هذا الفضل؛ لطول أيامه، وما فتح الله له من البلاد، والأموال، والغنائم في عهده، وأنه مصر الأمصار، ودون الدواوين.
  3. هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين، من ظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر القواعد، ثم خلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين، فقاتل أهل الردة، وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر رضي الله عنه، فاتسع الإسلام في زمنه.
  4. تشبيه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي به حياتهم، وصلاحهم، وسقيهما قيامهما بمصالحهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم.
  5. ذكر علامة من علامات النبوة.
  6. ذكر أبي بكر قبل عمر يدل على سبق أبي بكر على عمر، وأن عمر من بعده.
  7. ذكر نزع أبي بكر ذنوبًا أو ذنوبين، إشارة إلى سنين خلافته.
المراجع
  1. صحيح البخاري (5/ 6) (3664)، صحيح مسلم (4/ 1860) (2392)، النهاية في غريب الحديث والأثر (331) (664) (589) (624)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (16/ 182)، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (6/ 89)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (38/ 448)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 396).