عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلِمةُ الكذابُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمدٌ الأمرَ مِن بعده تَبِعْتُه، وقَدِمَها في بَشرٍ كثيرٍ من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شمَّاس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعةُ جريدٍ، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: «لو سألتَنِي هذه القطعة ما أعطيتُكَها، ولن تَعْدُوَ أمرَ الله فيك، ولئن أدبرتَ ليَعْقِرَنَّك اللهُ، وإني لأراك الذي أُرِيتُ فيه ما رأيتُ، وهذا ثابتٌ يُجِيبُك عني» ثم انصرف عنه، قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك أُرَى الذي أُرِيتُ فيه ما أُرِيتُ» فأخبرني أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائمٌ رأيت في يديَّ سِوارين من ذهبٍ، فأهمَّني شأنُهما، فأوحي إليَّ في المنام: أن انفخهما، فنفختُهما فطارا، فأوَّلتُهما كذَّابَينِ يخرجان بعدي» أحدُهما العَنْسيُّ، والآخر مسيلِمةُ.
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

روى ابنُ عباسٍ أن مسيلِمةَ الكذَّابَ جاء من اليمامة إلى المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة الوفود، وهي السنة التاسعة من الهجرة، وكان يقول: إنْ تَرَكَ لي محمدٌ بعد موته النُّبوَّةَ والخلافة فسأتَّبِعُه، وكان قد أتى معه ناسٌ كثيرٌ من قومه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم تألُّفًا له ولقومه رجاءَ إسلامهم، وليبلِّغُه ما أنزل إليه، ومعه ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، فوقف عند مسيلمةَ وقومِه، وكان في يده عليه الصلاة والسلام قطعةُ جريدٍ، فقال له: لو سألتني يا مسيلمة هذه القطعة من الجريد لن أعطيها لك، ولن تتجاوز حكمَ الله فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك، وإذا توليتَ عن طاعتي ليقتلنَّك الله، وكان كذلك فقد قتله الله عز وجل يوم اليمامة، قال: وإني لأظنك الذي رأيت في منامي، وهذا ثابت يجيبك بالنيابة عني فيما تريد أن تقوله، فسأل ابن عباس عن الرؤيا التي رأها النبي عليه الصلاة والسلام، فأخبره أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها أنه بينما كان نائمًا رأيت في يديه سوارين من ذهب، فأحزنه شأنهما؛ لكون الذهب من حلية النساء، ومما حُرِّم على الرجال، فأوحي إليه في المنام أن انفخهما، فعندما نفخهما طارا، ففسر السوارين بأنهما كذابين يخرجان بعده يدعيان النبوة، فكان أحدهما الأسود العنسي، الذي ظهر في آخر العهد النبوي، والآخر مسيلِمة الكذاب، وسبقت قصته، ودل الذهب على مَلِكَين؛ لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على زوال أمرهما، وكان كذلك.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

جعل لي محمد الأمر:
الحكم والنبوة.
جريد:
سعف النخل.
لن تعدو أمر الله فيك:
لن تتجاوز القدر الذي قدره الله تعالى فيك، وهو عدم وصولك لما تطلب.
أدبرت:
رجعت وامتنعت من اتباعي.
ليَعْقِرَنَّك:
ليُهْلِكَنَّك.

من فوائد الحديث

  1. جواز إتيان الإمام بنفسه إلى مَن قَدِم للقائه من الكفار، إذا تعين في ذلك مصلحة المسلمين.
  2. فيه منقبة للصديق رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه، حتى طارا، فأما الأسود فقتل في زمنه، وأما مسيلمة فكان القائم عليه حتى قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقام مقام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
  3. فضيلة ثابت بن قيس رضي الله عنه، حيث أقامه النبي صلى الله عليه وسلم مقامه في الرد على مسيلمة الكذاب، وكان خطيب الأنصار قبل الإسلام، ثم كان خطيبه صلى الله عليه وسلم إذا قدم الوفود، وهو الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
  4. معجزة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر أنه نفخهما، فطارا، فلم يلبث حتى قتل كل منهما، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم.
المراجع
  1. صحيح البخاري (5/ 170) (4373)، صحيح مسلم (4/ 1780-1781) (2273، 2274)، النهاية في غريب الحديث والأثر (146) (630)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 166)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (16/ 151)، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (6/ 65).