عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستَفْتَحُون مِصرَ، وهي أرضٌ يُسمَّى فيها القِيرَاطُ، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمَّةً ورَحِمًا» أو قال «ذِمَّةً وصِهرًا، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لَبِنَةٍ، فاخرج منها» قال: فرأيت عبد الرحمن بن شُرَحبيل بن حَسَنة، وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها. وفي روايةٍ: «فاستوصوا بأهلها خيرًا».
[صحيح] - [رواه مسلم]

الشرح

في هذا الحديث إخبارٌ بأمرٍ غيبيٍّ، وقع على نحو ما أخبر النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكان دليلًا من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصحابة سيفتحون بلاد مصر، وأنه يُذكر القيراط على ألسنتهم كثيرًا، وهو جزء من أجزاء الدينار، وكان كذلك، ثم أمر عليه الصلاة والسلام الصحابة إذا دخلوا مصر أن يحسنوا إلى أهلها، وفي روايةٍ: أمر أن يوصي بعضهم بعضًا بأهلها خيرًا، لأن لهم ذمَّةً، أي: حُرمةً وحقًّا، ولأن لهم رحمًا لكون هاجر أم إسماعيل منهم، ولهم صهر لكون مارية أم إبراهيم بن نبينا عليه الصلاة والسلام منهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر أن يخرج من مصر إذا رأى فيها رجلين يختصمان في شيء قليل من الأرض، يكون مساحته قدر لبنة، وهو الطوب، فرأى أبو ذر عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يتشاجر مع أخيه ربيعة في موضع لبنة، فخرج من أرض مصر؛ عملًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل الحكمة من الخروج منها موجودة في قوله: "يختصمان فيها في موضع لبنة"، وهي كثرة أهلها المؤدية إلى تشاحنهم في أرضها، واشتغالهم بالزراعة، والغرس عن الجهاد، وإظهار الدين، ولذلك أمره بالخروج منها إلى مواضع الجهاد، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأن الناس إذا ازدحموا على الأرض، وتنافسوا في ذلك كثرت خصومتهم وشرورهم، وفشا فيهم البخل والشر، فيتعين الفرار من محل يكون كذلك، إن وجد محلًا آخر سليمًا من ذلك، وهيهات كان هذا في الصدر الأول، وأما اليوم، فوجود ذلك في غاية البعد.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

القيراط:
جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف العُشر في أكثر البلاد.
ورَحِمًا:
أي أنّ هاجر أم إسماعيل -عليه السلام- كانت قبطية من أهل مصر.

من فوائد الحديث

  1. بيان فضل أهل مصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، فقال: استوصوا بأهلها خيرًا، وقال أيضا: فأحسنوا إلى أهلها.
  2. فيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها: إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده صلى الله عليه وسلم بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها: أنهم يفتحون مصر، ومنها: تنازع الرجلين في موضع اللبنة، ووقع كل ذلك، ولله الحمد.
  3. الأمر بالرفق بأهل أرياف مصر وصعيدها، والإحسان إليهم.
المراجع
  1. صحيح مسلم (4/ 1970) (2543)، النهاية في غريب الحديث والأثر (743)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 499)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 177).