عن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت».
[صحيح]
-
[رواه مسلم]
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف، التي ماتت بالأبواء وهو صغير، فبكى وأبكى من كان حوله من الصحابة رضي الله عنهم، وقيل: كان بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراكه، والإيمان به، وقيل: على عذابها، وفيه دليل على جواز البكاء عند حضور المقابر، دون نياحة ورفع صوت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إنه استأذن الله عز وجل ليستغفر لأمه، فلم يؤذن له، لأنها لم تكن مؤمنة، ولكنه عز وجل أذن له في أن يزور قبرها، وقد روى أحمد بإسناد حسن عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، أين أمي؟ قال: "أمك في النار" قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: "أما ترضى أن تكون أمك مع أمي"، وفي صحيح مسلم عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: «في النار»، فلما قفَّى دعاه، فقال: «إن أبي وأباك في النار»، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة: 113]، وهذا حكم كل من لم يُعرف دخوله في الإسلام قبل موته؛ لأن العبرة بالظاهر، فإن كان أسلم فيما بينه وبين الله فأمره إلى الله، أما نحن فليس لنا أن نطبق عليه أحكام الإسلام بهذا الاحتمال ونترك الظاهر، وإلا فحتى من يُظهر الإسلام يحتمل أنه منافق، ولسنا مكلفين بالتنقيب عن بواطن الخلق. ثم أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نزور القبور؛ لأنها تذكر الموت وذكر الموت يزهد في الدنيا، ويرغب في العقبى. وقوله: (فزوروها) نسخٌ للنهي عن زيارة القبور، وفيه بيان علة الإباحة، وهو أن يكون للتذكر والاعتبار، لا للفخر والمباهاة، ولا لإقامة النوح والمآتم عليه.