عَنْ جُنْدَبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ، فَقَالَ: تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ، فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ، قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «لِمَ قَتَلْتَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا، وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
[صحيح] - [رواه مسلم]

الشرح

يقصد السلف والمحدثون مِن بعدهم بالفتنة القتال الكائن بين المسلمين، فأراد هذا الصحابي الجليل جندب رضي الله عنه أن يُعلَّم الناس خطورة المشاركة في الفتنة؛ لمناسبة ذلك في وقتهم، فأمر عسعسًا التابعي أن يجمع أصحابه، ليَعِظَهم وينصحهم بكلامٍ من إنشائه، وليس بحديث مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فلما اجتمعوا جاءهم جندبٌ وهو متنكر بثوب وضعه على رأسه، وأمرهم أن يواصلوا حديثَهم، ثم كشف عن رأسه فعرفوه، قال: إني جئت إليكم وليس من نيتي أن أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ظهرت لي مناسبة ذكر هذا الحديث، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل جيشًا للمشركين، فلما التقى الجمعان كان رجلٌ من المشركين شديدًا على المسلمين، كلما توجه لشخصٍ منا تمكن من قتله، حتى استطاع رجل من المسلمين أن يرفع السيف عليه، ونظنه أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فلما رأى المشرك السيف خاف، وقال: لا إله إلا الله، لكن أسامة ظنَّ أنه قالها ليكُفَّ عن قتله فقط، وليس للدخول في الإسلام فقتله، فلما جاء الرجل الذي نقل بشارة انتصار المسلمين في تلك المعركة للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بهذه القصة، فدعا أسامةَ وغضب من فعله، وسأله عن سبب قتله، فأخبره بأنه قتل عددًا من المسلمين، وسماهم أسامة، وأنه إنما قال هذه الكلمة خوفًا من السيف، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فهي كلمة عظيمة، لها حقوقها، وتعصم دم من يقولها، ولو كان منافقًا، وأنت لا تعلم ما في قلب قائلها من الصدق أو عدمه، وفطلب أسامة أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه، وقال: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ حتى قال أسامة -كما في روايٍة في الصحيحين-: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم، تعظيمًا لهذا الذنب، وحصل بذلك التحذير الشديد من الدخول في القتال بين المسلمين؛ خشيةً من قتل مسلمٍ معصوم الدم.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

برنس:
قلنسوة طويلة، وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.
حسر:
كشف.
أوجع:
أكثر فيهم القتل.

من فوائد الحديث

  1. التحذير من الدخول في القتال بين المسلمين.
  2. الواجب على المسلم الأخذ بالظاهر، وليس له الدخول في البواطن.
  3. في قوله: (لم قتلته) فائدة التثبت قبل الاتهام، ومعرفة العذر ممن وقع في زلل؛ لأن القصد هو النصيحة وطلب الهداية للمخالف، وليس التشهير والفرح بالأخطاء وتتبعها ونشرها.
المراجع
  1. صحيح مسلم (1/ 97) (97)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 908- 2/629)، شرح النووي على مسلم (2/ 105).