عن البراء رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق، حتى أَغْمَرَ بطنُه، أو اغبَرَّ بطنُه، يقول: «والله لولا اللهُ ما اهتدينا، ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا، فأنزِلَنْ سكينةً علينا، وثبِّت الأقدام إن لَاقَينا، إن الأُلَى قد بَغَوا علينا، إذا أرادوا فتنةً أبينا» ورفع بها صوته: «أبينا أبينا».
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

أخبر البراء بن مالك رضي الله عنه عن حال من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الخندق، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة في شهر شوال، وكان سببها أن نفرًا من رؤساء اليهود انطلقوا إلى كفار مكة مشجِّعين لهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعوا الجموع، وحزَّبوا الأحزاب، فاجتمعت قريش وقادتها، وغطفان وقادتها، وفزارة وقادتها، وغيرهم من أخلاط الناس، وخرجوا بقوتهم وسلاحهم في عشرة آلاف حتى نزلوا المدينة، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربهم شاور أصحابه، فأشار سلمان الفارسي بالخندق، فحفروا الخندق، وتحصنوا به، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بمن معه من المسلمين في ثلاثة آلاف، فبرز، وأقام على الخندق، وجاءت الأحزاب، ونزلت من الجانب الآخر، ونقضت يهود قُريظة ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاونوا الأحزاب عليه، واشتد البلاء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاء عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، فأقام المسلمون على تلك الحال قريبًا من شهر إلى أن خذل الله بين قريش وبين بني قريظة، فاختلفوا، وأرسل الله عليهم ريحًا عاصفة في ليال شديدة البرد، فجعلت تقلب آنيتهم، وتطفئ نيرانهم، وتكفأ قدورهم، حتى أشرفوا على الهلاك، فارتحلوا متفرقين في كل وجه، لا يلوي أحد على أحد، وكفى الله المؤمنين القتال. وكان عليه الصلاة والسلام في وقت حقر الخندق ينقل التراب حتى صار بطنه مغبّرًا، وكان يقول شعرًا معناه: والله لولا أن هدانا الله ما كنا لنهتدي، ولا كنا لنتصدق أو نصلي، فأنزل يا ربُّ السكونَ والثباتَ والطمأنينةَ علينا، وثبِّت أقدامَنا إذا واجهنا العدو، فلا نهرب ولا نتزعزع، إن الجماعة السابقة بالشر قد بغوا علينا، إذا أرادوا أن يفتنونا عن ديننا امتنعنا وأبينا، وكان يرفع صوته بقوله: أبينا أبينا.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

أَغْمَرَ بطنُه:
وارى التراب جلده وستره.
سكينة:
طمأنينة.
الألى قد بغوا:
الذين ظلمونا قد اعتدوا علينا.

من فوائد الحديث

  1. جواز التحصن، والاحتراز من المكروهات، والأخذ بالحزم، والعمل في العادات بمقتضاها، وأن ذلك كله غير قادح في التوكل، ولا منقص منه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم على كمال المعرفة بالله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، ومع ذلك فلم يطرح الأسباب.
  2. تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحمله للتراب.
  3. إنشاد النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ما يدل على ما يفعله أهل الفسوق من الغناء المحرم.
المراجع
  1. صحيح البخاري (5/ 109) (4104)، صحيح مسلم (3/ 1430) (1803)، النهاية في غريب الحديث والأثر (678)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 644) (3/ 645)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 132).