عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتًا من الجن تفلَّت علي البارحة -أو كلمة نحوها- ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: رب هب لي مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدي".
[صحيح] - [متفق عليه]

الشرح

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عفريتًا من الجن، وهو المارد من الجن الشديد، تفلَّت علي أي تعرض لي فلتةً، أي بغتةً، والبارحة هي أقرب ليلة مضت، وقوله: (أو كلمة نحوها) شكٌّ من الراوي، وكان فعله ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه أي جعلني متمكنًا وقادرًا على معاقبته، فأردت أن أشُدَّه إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد النبوي حتى تدخلوا في الصباح وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام: رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، والأخوة بين سليمان وبين النبي صلى الله عليهما وسلم بحسب الدين أو بحسب المماثلة في الرسالة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد"، وهذا يدل على أن مُلْك الجن والتصرف فيهم بالقهر مما خُصَّ به سليمان عليه السلام، وسبب خصوصيته دعوته التي استجيبت له حيث قال: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}، ولما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم الخصوصية امتنع من تعاطي ما هَمّ به من أخذ الجني وربطه، وإن كان تسخير الجن لسليمان عام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عظَّم شان سليمان ولم يرد أن ينخرم ذلك ولو في فرد واحد، ورؤيته صلى الله عليه وسلم للعفريت على صورته مما خُصَّ به كما خُصَّ برؤية الملائكة كذلك، وقد أخبر أن جبريل له ستمائة جناح ورأى النبي الشيطان في هذه الليلة وأقدره الله عليه. فإن قال قائل: السحرة سُخِّر لهم الجن، فكيف كان خاصًّا بسليمان عليه السلام؟ فالجواب: أن الساحر يخضع للجني أو زعيم قبيلة من الجن أولًا، ويقدم له القرابين والكفر بالله تعالى، ولو رجع عن ذلك لتخلت عنه وربما آذته، أم سليمان فهم مقهورون له بتسخير الله وليس بالعوض وبذل المقابل.

الترجمة:
عرض الترجمات

معاني الكلمات

عفريتًا:
القوي المتشيطن الشديد من الجن.
تفلت:
تعرض.
فأمكنني:
جعلني غالبًا عليه.
سارية:
أسطوانة وعمود.

من فوائد الحديث

  1. بيان أن العمل القليل في الصلاة للحاجة كدفع الأذى أو لما أذن الشرع فيه كدفع المار بين يديه وإن أدى إلى المضاربة أو المقاتلة لا يبطلها.
  2. إمكان رؤية بني آدم الجن، وأما قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] فإخبار عن الأصل وغالب أحوال بني آدم معهم، وليس في الآية ما ينفي رؤيتنا إياهم مطلقًا، فلم يقل: (ولكن لن تروهم).
  3. الدلالة على أن مُلْك الجن والتصرف فيهم بالقهر مما خُصَّ به سليمان عليه السلام، وسبب خصوصيته دعوته التي استجيبت له حيث قال: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35].
  4. رؤيته صلى الله عليه وسلم للعفريت هو مما خُصَّ به كما خُصَّ برؤية الملائكة وقد أخبر أن جبريل له ستمائة جناح، ورأى النبي الشيطان في هذه الليلة، وأقدره الله عليه، ولا يرى أحد الشيطان على صورته غيره؛ لقوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 72]، لكن يراه سائر الناس إذا تشكل في غير شكله.
  5. أنه دليل على إباحة ربط الأسير في المسجد.
  6. جواز ربط من خشي هروبه بحق عليه أو ديني والتوثق منه في المسجد أو غيره.
المراجع
  1. صحيح البخاري (1/ 99) (461)، صحيح مسلم (1/ 384) (541)، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (12/ 293)، النهاية في غريب الحديث والأثر (ص 626)، التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/586)
المزيد